الديموغرافيا لترسيخ سيطرة الاحتلال وتهويد القدس- نبيل السهلي

تسعى بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس إلى تثبيت تفوق ديمغرافي بواقع (60) مستوطناً يهوديا مقابل (40)فلسطينيا لترسيخ السيطرة الإسرائيلية على القدس وتهويدها في نهاية المطاف، ولهذا وضعت البلدية إستراتيجية ممنهجة لمحاصرة حياة الفلسطينيين في مساحة محدودة، حيث تهدم مئة بيت سنويا، ولو توفرت لديها إمكانيات لهدمت جميع البيوت بحجة عدم الترخيص. سعت حكومة نتنياهو إلى استغلال إعلان ترمب السيادة الإسرائيلية على القدس ، لفرض واقع تهويدي ديموغرافي وتالياً جغرافيا سياسية قسرية في القدس، وذلك من خلال سياسة الترانسفير الصامت ضد العرب المقدسيين.

القدس في الميزان الديموغرافي

من الناحية العملية وضعت مخططات إسرائيلية تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في الجزء الشرقي من القدس المحتلة عام 1967، بحيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج، عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة بعد تراجعها من الدول الأوروبية، فضلاً عن تقديم مغريات مالية إسرائيلية لرفع عدد الولادات للمرأة اليهودية المستوطنة في القدس، وذلك بغية ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية لليهود في شكل عام. وفي الوقت نفسه تسعى المؤسسة الإسرائيلية إلى زيادة عدد لليهود في مدينة القدس عبر سياسات إجلائية مبرمجة إزاء العرب المقدسيين، لترحيلهم بصمت عنها عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم، الأمر الذي سيؤدي إلى الإخلال بالتوازن الديموغرافي لصالح المستوطنين اليهود بالمدينة في المدى المنظور،وتالياً رسم جغرافيا سياسية تهويدية. وقد اتبعت إسرائيل إجراءات عديدة من أجل دفع العرب المقدسيين، من مسلمين ومسيحيين إلى خارج مدينة القدس، ومن بين تلك الإجراءات التي تجعل المقدسي يفقد هويته، إذا عاش الفلسطيني المقدسي خارج القدس لمدة سبع سنوات متتالية، أو إذا حصل على جنسية أخرى، وكذلك إذا سجل إقامته في بلد آخر بغرض الدراسة أو العمل.

وتبعاً لذلك يقدر عدد العرب المقدسيين المعرضين لفقدان بطاقة الهوية بنحو ستين ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو بقاءهم خارجها. واللافت للنظر أن كافة الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وضعت وفق أحكام «القانون الإسرائيلي»، فصاحب الأرض العربي الفلسطيني، وفقاً لنسق تطور الملكية والسكان معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي للمستوطن اليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين المحتلة حتى يصبح مواطنا في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات، أوعقود من الزمن، أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية عنصرية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكافة الوسائل، خاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي في القدس وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كافة الاتجاهات وتعزلها عن باقي المدن والقرى في الضفة الفلسطينية.

غياب سبل المواجهة

من الأهمية الإشارة إلى أن كل الحفريات وعمليات التجريف التي لم تتوقف البتة في باب المغاربة ومحيط المسجد الأقصى المبارك، وكذلك في حي سلوان، إنما تخدم الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس، في وقت لم تظهر فيه إلى العلن سياسة فلسطينية موحدة، أوعربية موحدة لمواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية في مدينة القدس. وتبعاً للسياسات الإسرائيلية الاستيطانية التهويدية في مدينة القدس، بات بمدينة القدس (26) مستوطنة إسرائيلية يتركز فيها مئتا ألف مستوطن من اليهود المتزمتين. وفي مقابل ذلك لا يزال في المدينة أكثر من ثلاثمئة ألف مقدسي. وأصدرت حكومة نتنياهو خلال السنوات الأخيرة رزمة قوانين في شأن القدس، لجعل المقدسيين أصحاب الأرض أقلية لا تتجاوز نسبتها (12) في المئة من إجمالي سكان مدينة القدس بقسميها الشرقي والغربي في نهاية العام القادم 2020. وإضافة إلى القوانين العنصرية المذكورة، اعتمدت إسرائيل على سلاح الهدم والنشاطات الاستيطانية في مدينة القدس ضمن برنامج مدروس لتقليص وجود الفلسطينيين.

وفي هذا السياق يعتبر الجدار العازل من أهم النشاطات الاستيطانية في القدس، وأدى حتى اللحظة إلى طرد نحو (145) ألف فلسطيني من القدس، في وقت تهدد إسرائيل بسحب الإقامة منهم. وبالتوازي مع الهدم والتهجير والاستيطان، تواصل إسرائيل تنفيذ المشاريع العمرانية وضم الكتل الاستيطانية لفرض أغلبية يهودية بالقدس المحتلة.

ويقدر مجموع المستوطنين اليهود في الجزء الشرقي من القدس بنحو(200) ألف مستوطن يهودي. واللافت للمتابع أن إسرائيل تستغل انحياز إدارة ترمب للمواقف الإسرائيلية وتحولات المشهد العربي وحالة الانقسام الفلسطيني، لتمرير مخططاتها بتصعيد وتيرة الهدم والاستيطان ومصادرة مزيد من الأرض والعقارات والمحال التجارية في مدينة القدس. وكثفت حكومة نتنياهو من تنفيذ المخططات الجاهزة لفرض جغرافيا سياسية تهويدية، ومنها مخطط للقيام بعمليات جرف وإزالة آلاف المنازل، بغية كسر التجمع العربي داخل الأحياء العربية بمدينة القدس، مثل حي الشيخ جراح والعيزرية. ونتيجة تلك المخططات ثمة 35 ألف مقدسي مهددون بالطرد إلى خارج مدينة القدس.

الترانسفير يلاحق المقدسيين منذ 48

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي قد طرد (15) ألف مقدسي أثناء احتلاله الجزء الشرقي من مدينة القدس في حزيران / يونيو 1967، وقبل ذلك تم طرد ستين ألف مقدسي عام 1948 بعد ارتكاب مجازر مروعة في العام المذكور في قرى القدس، وفي شكل خاص في قرية دير ياسين التي ارتكبت بحق أهلها مجزرة مروعة في شهر نيسان / أبريل من العام المذكور على يد العصابات الصهيونية.

وبطبيعة الحال ستستمر المؤسسة الإسرائيلية محاصرة مدينة القدس بالجدران العنصرية الإسمنتية وسواها. ولهذا تحتم الضرورة محاصرة التداعيات الديموغرافية التهويدية المحتملة، وفضح السياسات والإجراءات الإسرائيلية بمدينة القدس، من خلال نشر ملفات وثائقية في وسائل الإعلام العربية وغير العربية، بحيث تظهر من خلالها في شكل دوري الإجراءات الإسرائيلية الحثيثة الهادفة إلى طرد المقدسيين.

ناهيك عن ضرورة العمل العربي والإسلامي المشترك في الحقل الدبلوماسي والسياسي، ومطالبة الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة ضرورة تطبيق القرارات الدولية الخاصة بقضية القدس، وفي المقدمة منها تلك التي أكدت عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في القدس وبطلانه، وكذلك رفض التغيرات الديموغرافية التي رسمت جغرافية قسرية في القدس، والعمل على عودة المقدسيين الذين نزحوا عن المدينة خلال سنوات الاحتلال الماضية. ومن شأن هذا أن يعزز الخطوات لتثبيت المقدسيين في أرضهم ومحالهم وعقاراتهم، وبالتالي تفويت الفرصة على إسرائيل لفرض الأمر الواقع التهويدي على مدينة القدس عبر الطرد الصامت للمقدسيين وتصعيد وتيرة الهدم والاستيطان في آن.

المصدر: جريدة القدس العربي

حول Admin

شاهد أيضاً

الثورة السودانية تدخل جولتها الثالثة- جلبير الأشقر

أكّد النصر الذي حقّقته، في الخامس من يوليو/تموز، قيادة الثورة السودانية المتمثلة بـ«قوى إعلان الحرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *