Photo: Ahmad Shihabi- Hagen 16.12.2017

لسنا معادين للسامية

أحمد شهابي

من مدونات هفتنغتون بوست عربي- 28-12-2017

من قال إن التاريخ لا يعيد نفسه، فبعد مائة عام على وعد بلفور بإعطاء اليهود وطنا قوميا لهم على ارض فلسطين التاريخية، ها هو دونالد ترامب يقوم باكمال المشوار وذلك بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، من جانب احادي، بشكل مخالف لكل قرارات الشرعية الدولية والامم المتحدة.  

شكل قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل صدمة كبيرة على المستويين الرسمي والشعبي العربي. فلم يكن أحد يتوقع ان يقوم الرئيس الأميركي بالتوقيع على قرار الكونغرس الصادر في العام ١٩٩٥ بنقل السفارة من تل لبيب الى القدس، والذي دأب كل الرؤساء الأميركيين قبل فترة ترامب على تأجيله بحجة حماية الأمن القومي للبلاد. 

الرد الرسمي العربي كعادته جاء خجولا، بيانات استنكار وشجب لا تسمن ولا تغن من جوع، ولَم ترتق الى الحد الأدنى من حجم المصيبة، وحده الشارع العربي، المثقل بالجراح بعد ثورات الربيع العربي، ومعاناته من قمع وقصف واعتقالات، وبكافة مكوناته وأطيافه نزل الى الميادين لتجديد العهد مع قضيتهم المركزية، فلسطين، محاولين منع وقوع نكبة جديدة تصب الزيت على نار نكبة عام ١٩٤٨. طالبت كلها الرئيس الأميركي بالعدول عن قراره، وشددت في الوقت نفسه على ضرورة اتخاذ موقف عربي واضح وصريح تجاه الادارة الأميركية وقراراتها المجحفة بحق القضية الفلسطينية وانحيازها الواضح لإسرائيل. 

بعد الاعلان الأميركي دعت فصائل المقاومة والفعاليات الشعبية الفلسطينية الى أيام غضب تكون القدس فيه العنوان الرئيسي، لتؤكد على الرفض الفلسطيني للاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للكيان. فعمت المظاهرات ارجاء الضفة والقدس وعواصم عربية واسلامية، أكدت جميعها على وحدة الاراضي الفلسطينية وان القدس هي عاصمة فلسطين الابدية. أدت تلك المظاهرات والاحتجاجات في يوم الغضب للقدس والايام التي تلتها الى اشتباكات ومواجهات مع قوات الاحتلال، أدت الى إصابة ما لايقل عن 2000 واستشهاد حوالي 11 في الضفة وقطاع غزة بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

 

الملفت للنظر كان طريقة تغطية الاعلام الغربي للاحتجاجات، أتكلم هنا عن المانيا على سبيل المثال وليس الحصر، فخلال الأيام الماضية لم تغب القدس عن الصحف الألمانية، ولَم تخل نشرة اخبار من أحداثها، وذلك بعد تاكيد الحكومات الغربية كلها عدم حذوها حذو الولايات المتحدة بنقل سفاراتها من تل أبيب الى القدس. 

فلم يتوان الإعلام الألماني عن التأكيد على أن التظاهرات والاحتجاجات جاءت بدعوة من «حركة حماس الراديكالية» حسب تعبيرهم، والمعروفة بالنسبة للغرب بميولها الإسلامية، ولم تخل تلك التصريحات والتحليلات للمحللين السياسيين وحتى الكتاب الصحفيين من التشديد على أن ما يقوم به الفلسطينيون هو فقط بدافع ديني لاجل الحفاظ على مقدساتهم الدينية في القدس، كالمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، ولم يغفلوا عن ذكر أن كل الدول التي قامت بها مظاهرات الاحتجاج كانت دول اسلامية، اتهمت بعضها بدعمه لجماعات متطرفة، واتهامها بمعاداة السامية، في محاولة تهدف إلى تحويل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلى صراع ديني، يختزل به جوهر القضية الفلسطينية، وبالتالي تشريع الرد الإسرائيلي «المسالم» عليه بحجة الدفاع عن النفس في وجه «حركات واحتجاجات متطرفة» تسعى للوصول إلى مقدساتها داخل ما إسرائيل؟.

القدس وبالرغم من أهميتها الدينية للديانات السماوية الثلاث، المسيحية والإسلامية واليهودية، تبقى جوهر الصراع بالنسبة للفلسطينيين، فهي عاصمة دولتهم إن كانت على أراضي 67 أو حتى على كامل أراضي فلسطين التاريخية، وهو ما تضمنه قرارات الشرعية الدولية، فالقدس أساس كل محادثات السلام، فبدونها لم تعد للمفاوضات فائدة ترجى، والدخول بها في هكذا وضع يعتبر تخلياً واستغناء عنها.

لا يستطيع أحد أن ينكر، أن هناك هتافات تصنف كـ «معادية للسامية» بحسب القانون الأوروبي خرجت في بعض التظاهرات في معظم العواصم الأوروبية، كبرلين، امستردام، واستوكهولم، ولكنها تصرفات فردية لا يمكن أن تعمم على شعب بأكمله، ولذلك فالمطلوب منا وعي أكبر على المستوى الشعبي لتصرفاتنا داخل الدول المستضيفة، فلكل مكان خصوصيته وقوانينه، وفي حال لم نحترم قوانين تلك البلاد، فلن نستطيع وقتها أن نطالب بالتعامل مع قضيتنا بشكل عادل.

والمطلوب عربيا، هو رد واضح وصريح، إعلاميا وحتى سياسيا، على تلك الادعاءات، لأننا لم نكن ولن نكون يوما معاديين للسامية، وبالتالي، على الإعلام العربي لعب دور أكبر في توعية الجماهير العربية الغاضبة بكيفية التصرف في هذه المواقف، لأننا وباستمرار هذه الطريقة في التعامل مع القضية الفلسطينية، سنخسر مع الوقت أيضا التأثير على الرأي العام الغربي، وبالتالي قلة فرصنا بإيصال فكرة أن القضية الفلسطينية هي قضية شعب كامل، بمختلف أطيافه وألوانه وأعراقه، وليست من فعل إرهابيين يحاولون زرع الرعب في المجتمع الإسرائيلي. والتأكيد أيضا على أن القضية بجوهرها ليست صراعاً دينياً يحاول فيه «المسلمون» الفلسطينيون قتل «اليهود» الإسرائيليين، بل على العكس تماما، فالفلسطينيون لا يملكون أي نية لتحويل قضيتهم إلى صراع ديني، لأنهم يعرفون نتيجته مسبقاً.

حول أحمد شهابي

أحمد شهابي فلسطيني من قرية لوبية، مواليد مخيم اليرموك في العام 1987. درس في معهد التدريب المهني بدمشق تخصص تكنولوجيا المعلومات. في العام 2002 بدأ العمل في مؤسسة الشجرة للذاكرة الفلسطينية ومنها انتقل في العام 2009 للعمل كمحرر ومدون في مجلة الحرية ومديرا لموقعها الالكتروني حتى العام 2014. في العام 2016 ونتيجة احداث المخيم لجأ إلى ألمانيا ويعمل حاليا كمحرر في مكتب صحفي بمدينة هيرنة.

شاهد أيضاً

الثورة السودانية تدخل جولتها الثالثة- جلبير الأشقر

أكّد النصر الذي حقّقته، في الخامس من يوليو/تموز، قيادة الثورة السودانية المتمثلة بـ«قوى إعلان الحرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *